Aya Sofya - Niche

آيا صوفيا عبر التاريخ

Aya Sofya

بعد استلام ابنه قسطنطين الثاني الحكم عام 377م ظهرت حركة تمرد عليه استمرت حتى عام 380م انتهت بقتله واحترق المبنى بكامله تماماً.

Aya Sofya - Inside

عام 415م قام “ثيودوسيوس الثاني” بإعادة بناء الكنيسة وبنا معها أسوار القسطنطينية الشهيرة التي جعلتها من أعلى وأقوى القلاع تحصينا في العالم، لكن المبنى تعرض لأعمال شغب داخلية وأحترق مرة أخرى عام 532م بعد تولي “جستنيان الأول” الحكم حيث قامت ضده ثورة (نيلكا) لكنه قام بقمعها وأبرم معاهدات مع الفرس الراغبين بالهجوم عليه ودفع لهم الجزية، لكن رغبة “جستنيان الأول” في تخليد اسمه عبر بناء أكبر بناء كنسي في العالم دفعته لإحضار أفضل مهندسين حينها هما “إيسودور الميليسي” و “أنثيميوس التراليني” وفعلاً بعد خمس سنوات انتهت أعمال البناء بكنيسة “هاغيا صوفيا” والتي تعني “الحكمة المقدسة” أو “الحكمة الإلهية” وافتتحت عام 537م لتكون بذلك أكبر كنيسة أرثوذكسية في العالم. تبرز فنون العمارة الرومانية المتسمة بالطابع الشرقي وكان مبنى الكنيسة على الطراز الباسيليكا المقبب بطول 100م وقبة ضخمة بارتفاع 55م بقطر 30م، أي أنها أعلى من قبة معبد البانثيون.

مع تسلم “محمد الفاتح” مقاليد الحكم عام 1451م كسابع خليفة عثماني، كان هناك معاهدات بين الروم البيزنطيين والدولة العثمانية من بين مقتضياتها احترام الأماكن المقدسة ومنها كنيسة “آيا صوفيا” لكن أثناء انتقال الحكم لمحمد الفاتح، قام “يوحنا الثامن” إمبراطور القسطنطينية بنقض العهد وهاجم الأراضي العثمانية من ناحية أنطاليا في الجنوب، واستمرت المناوشات لحوالي سنتين، حيث قام خلاها محمد الفاتح بتجهيز جيش قوامه أكثر من 250,000 جندي واتجه مباشرة لأسوار القسطنطينية وواجه الإمبراطور “قسطنطين الحادي عشر” وعرض الفاتح على قسطنطين تسليم القسطنطينية والإبقاء عليها حاكما شريطة أن تتبع للدولة العثمانية، لكن قسطنطين رفض، فما كان من محمد الفاتح إلا أن حاصر وهاجم القسطنطينية وبعد 53 يوم بتاريخ 29 مايو / أيار 1453 م استطاع الدخول إليها.

قام محمد الفاتح بعد الفتح بتحويل 13 كنسية منها من أبقاها كنائس ومنها من حولها لمساجد ومنها من حولها لمعابد لليهود، باستثناء “آيا صوفيا” التي اشتراها من حرّ ماله من الرهبان الأرثوذوكس وجعلها والأراضي المحيطة بها وكافة المباني الملحقة وقف للمسلمين وحولها لمسجد.

Aya Sofya Masque - Istanbul, Turkey - Luxuria Tours & Events

طبعاً هذا كان مخالف للعرف السائد حينها، حيث أنه بعد استيلاء المنتصر على الأرض يستطيع أن يتصرف بها كما يشاء ولكن محمد الفاتح آثر شراء الكنسية من وتحويلها لتكون خالصة لوجه الله، على عكس الكثير من المساجد التي استولى عليها الغزاة وحولها بالقوة لكنائس مثل الكنائس الحالية في إشبيلية وطليطلة وقرطبة وفي جنوب إسبانيا، لا بل منع بناء وإبقاء أي مساجد أخرى، وأبقى الفاتح على الرسومات في مبنى الكنيسة لكنه غطاها احتراما لمشاعر المسيحيين وبنى حولها أربع مآذن وحولها لمسجد على عكس الحضارات الغربية الأخرى التي كانت تقوم بتدمير أي أثر للحضارة الإسلامية بشكل متعمد وتحويل المساجد لكنائس.

وبقيت “آيا صوفيا” مسجد حتى قام “مصطفى كمال أتاتورك” العلماني معادي الإسلام بإنهاء الخلافة العثمانية وحول الكنيسة لمتحف سنة 1935. ومن المستغرب أن هذا القرار جاء بعد مقابلته لـ “توماس ويتيمور” الأميركي بيوم واحد!، بذلك بقيت “آيا صوفيا: كنيسة لمدة 916 سنة وكمسجد 481 سنة وكمتحف 85 سنة.

بقيت “آيا صوفيا أكبر كنيسة في العالم حتى عام 1520 حين افتتحت كنيسة “إشبيلية” في إسبانيا، والتي كانت بدورها مسجد للمسلمين، لكن مع فارق مسح كافة معالمها الإسلامية على عكس ما فعله محمد الفاتح بالحفاظ على الكنيسة الأصلية ولم يدمر معالمها وطابعها المعماري الكنسي.

في يوم الجمعة 10 يوليو / تموز 2020 تمّ إعادة متحف “آيا صوفيا” لمسجد مرة أخرى بقرار من المحكمة الإدارية التركية، وهذا القرار يعتبر طبيعي وهو شأن خاص بالدولة التركية حيث أنها دولة مسلمة بالنهاية وتستطيع التصرف بشكل حرّ في ممتلكاتها وأراضيها، وهذا العرف الدولي متعارف عليه والعديد من المساجد في أوربة بعدما أُحتلت من قبل الدول المسيحية حولوا المساجد لكنائس لم يُثر أي لغط أو جدل حولها أو امتعاض من قبل الكيانات الدينية أو المنظمات الدولية. لأنه لو أخذ على هذا المقياس يجب أن تعود معظم الكنائس في إسبانيا لمساجد وغيرها من الدول. ويجب أن نلاحظ أنه تمَّ تحويل (متحف آيا صوفيا) لمسجد وليس (كنيسة آيا صوفيا) حيث أنها لم تعد كنيسة منذ عام 1451م.

أياً كان مسجد أو كنيسة كلاهما بيوت الله ولله، وبتحويل المتحف لمسجد أصبح هذا المبنى التاريخي بيت لله يسبح فيه اسمه بدلا من أن يكون مجرد متحف حوّله علماني تطأه أقدام كل من هبّ ودب. ولم ولن يمنع أي شخص من دخول مساجد المسلمين أياً كانت ديانته وعرقه.

بقلم سام تاج الدين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى