
لاهاي – محمد رائد كعكة
أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيًا استشاريًا غير ملزم لكنها وصفته بأنه “رائد”، تؤكد فيه أن على الدول التزامًا قانونيًا بحماية المناخ لضمان بيئة نظيفة، صحية، ومستدامة لسكانها. ووفقًا لهذا الرأي، فإن تقاعس الدول في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قد يُعدّ خرقًا للقانون الدولي.
وأوضحت المحكمة أن إخفاق الدول في الوفاء بالتزاماتها المناخية يمكن أن يفتح المجال أمام مطالبات قانونية بالتعويض من قبل الدول المتضررة من آثار تغير المناخ، في خطوة قد تمهد الطريق لموجة من القضايا الدولية بشأن العدالة المناخية.
وأكدت المحكمة أن الحق في بيئة معيشية نظيفة ومستدامة يُعدّ من حقوق الإنسان الأساسية، وهو شرط ضروري لتمكين باقي الحقوق. وعليه، فإن عدم اتخاذ إجراءات كافية لمواجهة تغير المناخ يعرض هذا الحق للخطر.
أثر عالمي رغم الطابع غير الملزم
على الرغم من أن الرأي الصادر عن المحكمة لا يتمتع بقوة الإلزام القانوني، إلا أنه يحمل دلالات قانونية قوية ويُتوقع أن تعتمد عليه دول الأمم المتحدة كمرجعية قانونية وأخلاقية. وقالت المحكمة إن التزامات الدول المناخية لا تستند فقط إلى المعاهدات الدولية، بل تنبع أيضًا من قواعد القانون الدولي العرفي، ما يعني أن حتى الدول غير الموقعة على اتفاقية باريس، مثل الولايات المتحدة، مطالبة قانونًا بالمشاركة في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
وفي هذا السياق، شددت المحامية لورا بيرغرز من جامعة أمستردام على أهمية هذا الحكم قائلة: “رسالة المحكمة واضحة: حتى بدون توقيعكم على اتفاقيات المناخ، أنتم مطالبون بالتحرك”.
لا مجال للتنصل من المسؤولية
الرأي الاستشاري، الذي جاء في 500 صفحة، أكد أن أهداف الدول المناخية يجب أن تكون “الأكثر طموحًا الممكنة”، وأن الدول الصناعية مثل دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بلعب دور ريادي. ورفضت المحكمة صراحة فكرة أن المساهمات الوطنية الطوعية تعفي الدول من المحاسبة، مما يُضيق هامش المناورة أمام تلك التي تحاول التهرب من مسؤولياتها المناخية.
وتماشياً مع تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، اعتبرت المحكمة أن التغير المناخي “تهديد وجودي وعاجل”، داعية الدول إلى مراقبة وتقييم أهدافها المناخية بشفافية وجدية.
فانواتو تقود المعركة القانونية
تعود القضية إلى مبادرة من دولة فانواتو، الجزيرة الصغيرة في المحيط الهادئ، والتي رفعت أكبر قضية مناخية حتى الآن إلى محكمة العدل الدولية، بدعم من أكثر من 130 دولة. وتُعد فانواتو من الدول الأكثر تأثرًا بتداعيات تغير المناخ، لا سيما الأعاصير المتكررة وارتفاع منسوب مياه البحر، وقد أصبحت رمزًا دوليًا في السعي لتحقيق العدالة المناخية.



