
كتب : خالد بكداش
تتابع الأوساط السياسية والإعلامية الجولات المكثفة التي يقوم بها الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، إلى عدد من الدول التي أعلنت سابقًا مقاطعتها لسوريا، عقب استلام الفصائل المسلحة للسلطة. وقد هدفت هذه الزيارات إلى إيصال رسائل طمأنة وفتح قنوات تواصل جديدة، خاصة مع قادة الدول المجاورة ودول مجلس التعاون الخليجي، الذين أبدوا تخوفهم من تسليم السلطة إلى قوى مسلحة ذات خلفيات أيديولوجية.
تلك المخاوف تنبع من التركيبة الاجتماعية والدينية المتنوعة التي تميز سوريا، والقلق من تهميش الأقليات أو استبعادها في ظل نظام جديد غير واضح الملامح. غير أن الشرع ووزير خارجيته تمكنا، على ما يبدو، من تخفيف حدة هذه الهواجس، وتقديم تطمينات قوبلت بحذر إيجابي، سمح بفتح قنوات اقتصادية واستثمارية مبدئية، في انتظار تبلور رؤية أكثر وضوحًا عن شكل الدولة الجديدة.
وفي هذا السياق، لا يمكن فصل النشاط السياسي للرئيس الشرع عن مسألة أمنه الشخصي. فوفقًا لمصادر وتحليلات متعددة، يتّضح أن الرجل يعيش في حالة حذر دائم، حتى من أقرب المقربين إليه، خصوصًا من أولئك الذين لم يحظوا بنصيب كافٍ من كعكة السلطة، أو من قادة المرتزقة الأجانب الذين يسرحون ويمرحون في بعض المناطق بلا حسيب ولا رقيب.
أحمد الشرع، رغم امتلاكه وعيًا سياسيًا متقدمًا، يدرك أن طريق بناء الدولة محفوف بالمخاطر. لكنه يفتقد حتى الآن إلى بعض الركائز الجوهرية، وعلى رأسها كسب ثقة المواطن السوري، الذي ما يزال يراقب المشهد بحذر بعد عقود من الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد.
اللافت أن لغة الجسد الخاصة بالشرع – كما تشير بعض التحليلات – تكشف عن توتر دائم، وكأن الرجل ينام وسلاحه تحت وسادته، غير واثق بأحد إلا بدائرة ضيقة جدًا من المقرّبين. ويُعزى هذا التوجس إلى التدريب الأمني والاستخباراتي الذي تلقّاه في مراحل مختلفة، والذي زرع فيه شعورًا دائمًا بأن الخطر قد يأتي من أقرب الناس إليه.
يسعى الشرع إلى قيادة سوريا نحو انتعاش اقتصادي يعيد للبلاد مكانتها في الإقليم، إيمانًا منه بأن سوريا تملك إمكانيات تؤهلها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، متى ما رُفعت عنها العقوبات وأُعيد تدوير عجلة الإنتاج. إلا أن التحديات ما تزال كبيرة، من أبرزها الوجود التركي، والطموحات الإسرائيلية في التمدد واحتلال أراضٍ جديدة، إلى جانب التدخلات الدولية والإقليمية التي تستنزف ثروات سوريا وتُضعف فرص نهوضها.
وما بين سلاح الشرع تحت الوسادة، ومعاركه فوق الأرض، تبقى سوريا معلقة بين طموحات التغيير ومخاطر الوقوع في فخ التجاذبات والمصالح.
وللحديث بقية…
Khaled Bakdash