تأثير مقاطع (الريلز) المدمن
بقلم: سام تاج الدين
انخفاض مدى الانتباه ليصل إلى نحو 6 ثواني
معدل كل جلسة على تيك توك او ريلز الفيسبوك او شورتس اليوتيوب هي 95 دقيقة
معدل 3 ساعات يوميا يقضيها المراهقون على الفيديوهات القصيرة
يتعرض معظمنا وخاصة المراهقين والجيل الشاب لعملية ممنهجة لتسطيح شخصيتهم وتتفيه فكرهم والانحطاط بالمستوى الأخلاقي والفكري والثقافي الذي تسهم مقاطع (الريلز) التي تغزو حياتنا.
لنبين الفكرة دعونا نعرض لتجربة علمية أجراها عالم نفس امريكي اسمه Burrhus Frederic Skinner على مجموعة من الفئران، التجربة تقوم عل وضع فأر في صندوق وبه أزرار كلما ضغطها الفأر تنزل كمية محددة من الطعام بشكل منتظم، مع الوقت الفئران فقدت اهتمامها بضغط الزر وتعلمت أن تضغط الزر فقط عندما تجوع وتعاود ممارسة حياتها الاعتيادية. لكن عندما قام بتغيير كمية الطعام لتكون عشوائية في كل ضغطة حيث تتفاوت الكمية حيث أن بعض الضغطات تعطي كميات طعام كبيرة، حينها تغيير سلوك الفئران تماماً لكي تصبح مهووسة بضغط الزر ولم تعد تتابع الروتين الاعتيادي لحياتها لا بل أصابها الإدمان وقلت فترات نومها وطعامها فقط لكي تضغط الزر آملة في الحصول على الجائرة الكبرى من الطعام، وهذا ما أطلق عليه “التعزيز العشوائي” الذي يتيح فرص أكبر للفوز مع زيادة الضغطات.
هذا تماماً ما يحصل معنا حيث نصاب بهذا النوع من الإدمان حيث أن (مدى الانتباه) الذي يتمتع به الإنسان يستطيع عادة التركيز الكامل لأقصى وقت قد انخفض بشكل كبير بسبب مشاهدة هذه الفيديوهات حيث نستطيع أن نسميه اليوم (مخ التيك توك) مما أدى لانخفاض مدى الانتباه ليصل إلى نحو 6 ثواني، أي أقل من السمكة الذهبية.
التعزيز العشوائي هذا يسبب الإدمان بسبب افراز هرمون السعادة (الدوبامين) الذي يفرز بسبب نظام المكافأة في الدماغ، حيث مع زيادة التحدي للفوز بالجائزة يزيد افراز هذا الهرمون وبالتالي يتحول الشخص لمدمن لهذا النشاط.
نلاحظ أن شركات الألعاب الإلكترونية وصالات القمار تقوم على هذا المبدأ و(تيك توك) التقطت هذه الفكرة وهي العمود الفقري لخوارزمياتها المسببة للإدمان حيث يقدم لك هذه التعزيز العشوائي عبر نظام عشوائي لا يتيح لك توقع ما هو المقطع التالي الذي سيعرض تالياً ليبقى الشخص لأطول فترة ممكنة على التطبيق حيث تشير الدراسات أن معدل كل جلسة على تيك توك او ريلز الفيسبوك او شورتس اليوتيوب هي 95 دقيقة وبمعدل 30 ثانية للفيديو الواحد فأنت تشاهد نحو 270 فيديو في الجلسة، وهي تتباين في محتواها وأهدافها وبالتالي يستحيل ضبط ما يتم مشاهدته وبالتالي هذا سيخفض فترة انتباهك لكي تستطيع مواكبة هذا الكم الهائل من المعلومات والأفكار المتلاحقة والمتضاربة. كالقرد الذي يتنقل بين الأشجار ليحصل على موزة جديدة، حيث ينحو الإنسان لملئ وقت فراغه بأكبر قدر من المتعة بأقل قدر من الجهد.
طبعاً هذا الأمر سوف ينعكس سلباً على حياة الفرد حيث بات الجيل الشاب خاصة لا يستطيع التركيز في الدراسة لفترة طويلة ويكتفي بالملخصات او قراءة بضع سطور من بداية المقالة او عدم القدرة على قراءة الكتب وحتى الأغاني ننتقل لأغنية أخرى قبل اكتمالها، وهذا له انعكاسات على الحياة العاطفية لأنه يتململ الشخص من أي مشاكل أو روتين بسيط في الحياة، ولم يعد هناك أهداف طويلة الأمد أو حتى متوسطة للفرد وهو أمر خطير لأنه يسطح الشخصية ويجعلها عرضة لأي مؤثرات خارجية لضعف معلوماتها ومشاعرها وأفكارها وثقافتها، هذا بغض النظر عن المحتوى الذي يشاهد من الناحية الأخلاقية أو الثقافية وانعكاساته على مدى الرضا عن النفس أو حياتك مع الآخرين التي ستقارنها في اللاوعي بما تشاهده وتذبذب مشاعرك بتعاملاتك مع الآخرين.
بتنا الإن نعيش عصر الترفيه وهناك توجه عالمي جارف نحو هذا العالم، وغرس قيم التفاهة عبر مواقع (التقاطع) الاجتماعي التي غيرت المفاهيم والتوجهات الفكرية والنفسية التي تنتج وتروج لملايين من هذه المقاطع التافهة الموجهة لجمهور يتسم بهذه الصبغة من السخافة والسطحية التافهة، هذا فقط لهدف الكسب المادي لتدوير عجلة الاقتصاد الرقمي، فلربما يجب أن نبدأ بالصيام الرقمي لكي نستطيع التخلص من آثار هذه الإدمان.