غزو الكوكب الأحمر
سام تاج الدين
سجّل العالم في يوم 9 فبراير / شباط 2021 يوماً تاريخيا بوصول الدولة الخامسة في العالم التي تصل المريخ، والثالثة التي تصل إلى مدار الكوكب الأحمر من المحاولة الأولى. الإمارات العربية المتحدة سجلت الوصول لكوكب المريخ بمركبتها “مسبار الأمل”، والإمارات الدولة العربية والإسلامية الأولى التي تستطيع الوصل لهكذا إنجاز في عالم الفضاء.
وحسب تصريحات مركز محمد بن راشد للفضاء، هذه الرحلة ما هي إلا بداية لسلسلة مهام علمية غير مسبوقة ستقدم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في تاريخ البشرية، ذات الأهداف العلمية غير المسبوقة، ستزود المجتمع العلمي العالمي ببيانات شاملة عن الغلاف الجوي للكوكب الأحمر وأسباب تغير مناخه.
“مسبار الأمل” منذ انطلاقته كفكرة في الخلوة الوزارية عام 2013، وما تلا ذلك من مراحل متعددة للمشروع، بدأت في مرحلة تصميم مسبار بنصف الوقت ونصف التكلفة، وتمَّ التجهيز له على مدى نحو 7 سنوات، ويبلغ وزن المسبار 1350 كغ، وقطع مسافة 493 مليون كم في الفضاء، تلتها عملية الإبطاء الدقيقة لسرعة المسبار باستخدام محركات الدفع العكسي لمدة 27 دقيقة من 121,000 كم/ساعة إلى 18,000 كم/ساعة سمحت بدخوله بأمان إلى مدار الالتقاط، وأفسحت المجال للمرحلتين التاليتين المتمثلتين بدخول المسبار مداره العلمي حول المريخ وبدء مهامهم العلمية التي تتواصل لعام مريخي كامل يعادل 687 يوما بالتقويم الأرضي قابلة للتمديد، وقد أتمّ الفريق الهندسي الإماراتي الذي طور نظام الدفع العكسي المبتكر في المسبار، وهي تعتبر من أهم المراحل لدخول المسبار في نطاق المدار الالتقاط المريخي للتمهيد للمرحلة البحثية العلمية.
تمّ تطوير نظام حراري من قبل المهندسين ليتكيف مع البيئات الحرارية المتغيرة جدا طوال رحلته في الفضاء، إضافة إلى تطوير الأجهزة العلمية المتقدمة على متن المسبار، والتي شكلت جميعها ابتكارات جديدة نوعية، والبيانات التي سيتم جمعها ستشارك مع المجتمع العلمي العالمي ابتداء من سبتمبر 2021 دون مقابل من أجل تعزيز المعرفة البشرية، كما إن الجامعات المحلية ستستفيد من مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ لتمكين المزيد من الكفاءات الإماراتية في قطاعات الفضاء، وسيتم إضافة أسئلة جديدة يمكن لمهمة مسبار الأمل الإجابة عليها تبعا لحالة المسبار الفنية وأجهزته في تلك الفترة الزمنية، والخطوة التالية لما بعد مسبار الأمل هي تطوير قطاع فضائي تنافسي في دولة الإمارات بما يسهم في تحقيق الاقتصاد المتنوع القائم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.
المرحلة التالية من رحلة مسبار الأمل الانتقال من مدار الالتقاط حول المريخ إلى مدار علمي مناسب حول الكوكب الأحمر حتى يتمكن من أداء مهامه العلمية المخطط لها، على ارتفاع 1000 كيلومتر فوق سطح المريخ وعلى بعد 49,380 كم منه، ومن الضروري أن يكون المدار العلمي بيضاوي الشكل لنجاح المهمة، فيما تستغرق مدة الدورة الواحدة حول الكوكب الأحمر حوالي 40 ساعة في هذه المرحلة ما قبل الأخيرة من رحلة المسبار. ومع تمكن “مسبار الأمل” من تخطي هذه التحديات بنجاح يقوم بأخذ الصورة الأولى للمريخ عبر أجهزته العلمية، خلال وجوده في مدار الالتقاط.
أكثر من 100 عملية اختبار للتصميم، وأكثر من 100 ألف عملية محاكاة لكافة سيناريوهات مرحلة الالتقاط تمت على مدى سنتين أدت لتبسيط التصميم إلى أفضل نموذج ممكن حتى تاريخه. ويحلق المسبار حاليا في المدار الأولي قبل أن ينتقل بعد نحو شهرين للمدار العلمي، وبعد اكتمال مرحلة المدار العلمي يبدأ مسبار الأمل المرحلة السادسة والأخيرة وهي المرحلة العلمية، وخلالها يتخذ “مسبار الأمل” مدارا بيضاويا حول المريخ على ارتفاع يتراوح ما بين 20,000 إلى 43,000 كم، ويستغرق فيها المسبار 55 ساعة لإتمام دورة كاملة حول المريخ.
وسترصد الأجهزة المتطورة التي يحملها مسبار الأمل خلال المرحلة العلمية كل ما يتعلق بكيفية تغير طقس المريخ على مدار اليوم، وبين فصول السنة المريخية، بالإضافة إلى دراسة أسباب تلاشي غازي الهيدروجين والأوكسجين من الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ، والتي تشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزئيات الماء، وكذلك تقصي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلى والعليا، ومراقبة الظواهر الجوية، مثل العواصف الغبارية، وتغيرات درجات الحرارة، فضلا عن تنوع أنماط المناخ تبعا لتضاريسه المتنوعة.