اتفاق تاريخي يعيد تشكيل مستقبل كاليدونيا الجديدة ضمن السيادة الفرنسية

باريس : هديل مشلح

في تحوّل مفصلي بتاريخ الأرخبيل، أعلنت الفصائل السياسية المتنازعة في كاليدونيا الجديدة، صباح يوم أمس السبت، عن التوصل إلى اتفاق تاريخي يؤسس لإنشاء دولة جديدة تتمتع بحكم ذاتي موسّع، دون أن تخرج من تحت السيادة الفرنسية.

الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال محادثات جرت في بلدة بوجيفال، قرب العاصمة باريس، يشكل خطوة كبيرة نحو إعادة الاستقرار للإقليم، بعد أشهر من التوترات العنيفة التي بلغت ذروتها في مايو 2024، إثر مقترح برلماني فرنسي بتعديل القوائم الانتخابية، ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا للثقل السياسي للحركة الاستقلالية.

صراع تاريخي على الهوية والمستقبل

طالما انقسم سكان كاليدونيا الجديدة، وهي مستعمرة جزائية فرنسية سابقة في المحيط الهادئ، حول مصير الإقليم. ففي حين يتمسك أحفاد المستوطنين الفرنسيين بالإبقاء على روابطهم الوثيقة مع باريس، يطالب شعب “الكاناك”، وهم السكان الأصليون، بحق تقرير المصير وإنهاء الإرث الاستعماري.

وبحسب صحيفة لو نوفيل كاليدونيا الجديدة، فإن الاتفاق الجديد يسمح بإنشاء “جنسية كاليدونية” تتيح لسكان الأرخبيل التمتع بالمواطنة المزدوجة، إلى جانب نقل بعض الصلاحيات السيادية في العلاقات الدولية إلى الحكومة المحلية، ما يعزز من مكانة الإقليم على الصعيدين الإقليمي والدولي.

دعم فرنسي والتزامات تنموية

رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، وصف الاتفاق بأنه “ذو أهمية تاريخية”، مؤكدًا أن كاليدونيا الجديدة ستنظم بطريقة “فريدة” ضمن الإطار الدستوري الفرنسي. كما أكد وزير العدل جيرالد دارمانين أن الاتفاق يتضمن “صلاحيات موسعة، وهيئة انتخابية محدثة، واعترافًا دوليًا محتملاً”.

وأشارت الجماعات الموالية لفرنسا في بيان رسمي إلى أن الاتفاق تضمن “تنازلات من جميع الأطراف”، وشددت على أنه يضمن “جنسية كاليدونية لا تتناقض مع الجنسية الفرنسية”.

كما يتضمن الاتفاق التزامًا من الدولة الفرنسية بدعم تنمية الأرخبيل، لاسيما في قطاع النيكل، الذي يُعد موردًا استراتيجيًا في الاقتصاد الفرنسي، ويُشكّل محورًا رئيسيًا في استقرار المنطقة.

المرحلة المقبلة: استفتاء وحسم دستوري

بحسب ما نقلته بوليتيكو، يُنتظر أن يُعرض الاتفاق على استفتاء شعبي في كاليدونيا الجديدة، بالتوازي مع تصويت في البرلمان الفرنسي. وصرح فيليب جوميز، زعيم حزب “كاليدونيا معًا”، بأن البرلمان سيجتمع في قصر فرساي خلال الربع الأخير من العام الجاري لتكريس الاتفاق ضمن الدستور، ما سيمهد الطريق لتنظيم استفتاء محلي لاحقًا.

وأكد جوميز أيضًا أن الانتخابات الإقليمية ستؤجَّل إلى موعد أقصاه نهاية نوفمبر المقبل، بهدف إتاحة الوقت الكافي لتنفيذ بنود الاتفاق.

في المقابل، قال النائب المناهض للاستقلال نيكولا متزدورف لوكالة الأنباء الفرنسية إن “لا استفتاءات أخرى مرتقبة سوى ذلك المتعلق بالمصادقة على الاتفاق”، مشيرًا إلى إعادة فتح السجل الانتخابي كجزء من ترتيبات المرحلة القادمة.

وشدد متزدورف على أن “التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على توضيح الاتفاق وإنعاش الاقتصاد”، في ظل الأضرار الجسيمة التي خلفتها أعمال الشغب الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل 14 شخصًا وخسائر مادية تجاوزت ملياري يورو.

مستقبل جديد يلوح في الأفق

يرى مراقبون أن الاتفاق قد يشكل نقطة تحوّل حاسمة في تاريخ كاليدونيا الجديدة، من خلال موازنة مطالب الاستقلال مع الحفاظ على الروابط الفرنسية، وفتح المجال لبناء نموذج فريد من الحكم الذاتي ضمن الكيان الجمهوري الفرنسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى