
الصحفي : محمد رائد كعكة
يعود الجدل اليوم حول إمكانية تولّي أحمد الشرع دورًا قياديًا في المرحلة المقبلة من تاريخ سورية، في وقت تمر فيه البلاد بأكثر مراحلها تعقيدًا منذ الاستقلال. ليس السؤال هنا شخصيًا بقدر ما هو سؤال عن موقع الفرد داخل منظومة سياسية واقتصادية وأمنية مضطربة، محاطة بتقاطع مصالح دولية وإقليمية عميقة. ومع ذلك، تبقى شخصية الشرع، بما تملكه من حضور سياسي وخبرة في العمل العام، مدخلًا مهمًا لطرح سؤال: هل يستطيع فعلاً إدارة سورية؟
أولًا: الشرع بين الخبرة والقدرة على التواصل السياسي
يمتلك أحمد الشرع رصيدًا سياسيًا ومعرفيًا يجعله من الشخصيات التي تحظى بقبول نسبي لدى شرائح متباينة داخل المجتمع السوري. فهو لا يُعتبر من رموز الصراع المباشرين، ولم يرتبط اسمه بانقسامات حادة كتلك التي شطرت البلاد. وفي بلد انهكته الحرب، يصبح القبول النسبي قيمة سياسية بحد ذاتها.
إلا أن القدرة على الإدارة السياسية لا تُقاس فقط بالخطاب الهادئ أو العلاقات الواسعة، بل أيضًا بامتلاك مهارات التفاوض، وإدارة المؤسسات، وبناء التحالفات، واتخاذ القرارات الصعبة. نجاح الشرع المحتمل يتوقف على قدرته في تحويل رصيده الشخصي إلى مشروع وطني جامع، وهو تحدٍّ لا يقل صعوبة عن إدارة المرحلة الانتقالية نفسها.
ثانيًا: الملف الأكثر حساسية – الأقليات السورية
لا يمكن لأي قيادة سورية جديدة أن تنجح دون التعامل الجاد مع ملف الأقليات الدينية والإثنية، الذي أصبح خلال سنوات الحرب نقطة ضعف وأداة ابتزاز سياسي داخلية وخارجية. فسورية ليست بلدًا متجانسًا، بل فسيفساء من الطوائف: العلوية، السنية، المسيحية، الإسماعيلية، الدروز، إلى جانب الهويات القومية الكردية والآشورية والتركمانية وغيرها.
نجاح الشرع – أو أي شخصية أخرى – سيعتمد على:
1. إيجاد ضمانات حقيقية للأقليات بعيدًا عن استغلالهم كورقة سياسية.
2. صياغة عقد اجتماعي جديد يطمئن الجميع إلى مستقبلهم داخل دولة موحدة، لا دولة محاصصة.
3. التوازن بين مطلب الأكثرية بالإصلاح ومخاوف الأقليات من التغيير الجذري.
الجرأة هنا تكمن في الاعتراف بأن الدولة السورية بعد 2011 لم تعد قادرة على الاستمرار بصيغتها القديمة، وأن أي إدارة جديدة مطالبة بإعادة بناء الثقة المجتمعية من الصفر تقريبًا.
ثالثًا: الولايات المتحدة… دعم مشروط أم تدخل محسوب؟
تتعامل الولايات المتحدة مع الملف السوري باعتباره جزءًا من لوحة أوسع تشمل إيران، العراق، أمن إسرائيل، والوجود الروسي. ولذلك فإن دعمها لأي شخصية أو مشروع حل لن يكون مطلقًا، بل مشروطًا بمراعاة أولوياتها الاستراتيجية.
وتصريحات واشنطن العلنية توحي بأنها تؤيد:
عملية سياسية شاملة ترعاها الأمم المتحدة.
تغييرًا تدريجيًا لا يؤدي إلى انهيار الدولة.
كبح النفوذ الإيراني.
حماية الأقليات وعلى رأسهم الأكراد في شمال شرق سورية.
ولذا، فإن نجاح الشرع سيتوقف جزئيًا على قدرته على التعامل مع الموقف الأمريكي كفاعل مؤثر، وليس كراعٍ للحل، وفي الوقت نفسه دون تقديم تنازلات تمس السيادة السورية أو تهدد التوازنات الداخلية.
رابعًا: الحضور الروسي… ضمانة استقرار أم عائق للتغيير؟
منذ 2015 أصبحت موسكو اللاعب العسكري والسياسي الأبرز في سورية، وهي ترى في أي تغيير سياسي تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية، خاصة قواعدها على المتوسط.
روسيا من جهة تريد استقرارًا يسمح لها بالحفاظ على نفوذها العسكري والاقتصادي، لكنها من جهة أخرى لا تمانع تعديلات سياسية محسوبة تُظهرها كطرف راعٍ للحل.
وهذا يفرض على أي شخصية قيادية – بمن فيهم الشرع – التعامل مع روسيا لا باعتبارها داعمًا كاملًا ولا خصمًا كاملًا، بل قوة تملك حق الفيتو الواقعي على أي تحول سياسي.
خامسًا: تقاطع المصالح الدولية… عقدة الحل السوري
سورية اليوم ليست ساحة صراع محلية فحسب، بل نقطة التقاء وتنافس لقوى كبرى:
الولايات المتحدة التي تركز على مكافحة الإرهاب والنفوذ الإيراني.
روسيا التي تبحث عن نفوذ جيوسياسي طويل الأمد.
إيران التي ترى في سورية امتدادًا لأمنها الإقليمي.
تركيا التي تراقب الملف الكردي وعمقها الأمني.
إسرائيل التي تهتم بإبعاد إيران عن حدودها.
هذا التشابك يجعل السؤال: هل سينجح الشرع؟ مرتبطًا بسؤال أكبر:
هل يمكن لأي شخصية اليوم أن تدير سورية دون صياغة توازن دقيق بين القوى المتداخلة؟
سادسًا: هل البيئة السورية مهيّأة لنجاح أي قائد؟
الواقع يقول إن نجاح الشرع أو غيره يتوقف على عوامل أساسية:
1. وجود عملية سياسية واقعية، لا شكلية.
2. إعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها بما يسمح بتداول القرار ووقف الفساد البنيوي.
3. تسوية عادلة لقضايا المهجرين والمعتقلين والاقتصاد المنهك.
4. قدرة الدولة الجديدة على احتواء القوى المسلحة المحلية.
5. إعادة إنتاج هوية وطنية جامعة بعد سنوات من الانقسام.
بدون هذه الشروط، لن ينجح أي قائد مهما كانت إمكاناته.
الخلاصة: هل يمكن للشرع أن ينجح؟
يمكن القول بحياد وجرأة إن أحمد الشرع يمتلك بعض المقومات التي يحتاجها أي قائد في مرحلة انتقالية: القبول النسبي، الخطاب المتوازن، القدرة على التواصل، والخبرة السياسية.
لكن نجاحه مرهون بما هو أكبر منه:
التوازن بين القوى الدولية المتنافسة.
تهيئة بيئة سياسية جديدة داخل سورية.
إعادة بناء الثقة بين المكوّنات السورية المتضررة.
وضع رؤية واقعية قابلة للتنفيذ، لا مجرد شعارات.
وبينما لا يملك أحد ضمانات للنجاح، فإن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على مشروع وطني جامع قبل أن يكون على شخص واحد، حتى لو كان شخصية مقبولة مثل أحمد الشرع.



