(تخيل يومًا بلا كهرباء ولا ماء)
أمستردام – محمد رائد كعكة
تواجه هولندا تحديات متزايدة تستدعي استعدادًا جديًا للأزمات، من انقطاع التيار الكهربائي إلى يوم كامل دون مياه. وفي تقرير أصدره مركز الأبحاث “دينكويرك”، حذر من أن الإجراءات الحالية، بما فيها حزم الطوارئ، غير كافية لمواجهة مثل هذه التهديدات.
صرحت الخبيرة الاقتصادية وأستاذة جامعة أمستردام، باربرا بارسما، لصحيفة NU.nl قائلة: “إذا أردت أن تُصبح مرنًا، عليك أن تمارس ذلك”. فهي تؤمن بأن الحل لا يكمن فقط في استعدادات فردية، بل في تجارب جماعية عملية، مثل تخصيص يوم واحد يتم فيه قطع الكهرباء والماء للجميع – أفرادًا وشركات – من أجل التعلم من التجربة.
ويقدم تقرير “المرونة من خلال التصميم” تحليلًا معمقًا للتهديدات التي تواجه هولندا، والتي أصبحت أكثر تعقيدًا، نتيجة عوامل متعددة مثل التوترات الجيوسياسية والتغير المناخي، حيث يمكن أن تتفاعل هذه الأزمات وتتفاقم معًا.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة الهولندية تركز حاليًا بشكل مفرط على المسؤولية الفردية، في حين أن تعزيز التعاون بين المواطنين، الشركات، والسلطات المحلية ضروري لبناء مجتمعات أكثر مرونة.
وتوضح بارسما أن “حزمة الطوارئ”، كما تُقدم الآن، تظل رمزية إلى حد كبير، وتفتقر إلى الروح الجماعية. فهي ترى أن التحضير الجاد للأزمات لا يعني أن يقتني كل شخص جهاز راديو أو مولد كهربائي، بل يجب أن ينظر الناس إلى من حولهم في الحي: من لديه المهارات أو المعدات الضرورية؟ وتضيف: “لا يمكن أن تكون مرنًا بمفردك”.
كما يقترح مركز الأبحاث إشراك البلديات في تنظيم فعاليات مثل “الهاكاثونات”، لتشجيع الأحياء على ابتكار حلول واقعية للمشكلات الطارئة، وجمع الأفكار والمبادرات من داخل المجتمع المحلي.
تمرين محاكى للطوارئ
تدعو بارسما إلى تنظيم تمارين محاكية على مستوى الدولة، مثل تجربة يوم بدون مياه، للتدرب بشكل فعلي على التعامل مع الأزمات. وتؤكد أن التخطيط النظري لا يُكسب المجتمعات مرونة حقيقية، بل إن التجربة الواقعية هي الأداة الفعالة للتعلم. وتقول: “ربما يكون من الصعب تخيل أن تخوض هولندا تمرينًا وطنيًا مثل هذا، لكن أحيانًا عليك أن تستثمر اليوم لتحقق الفائدة غدًا”.
خدمة اجتماعية متكررة
ويقترح التقرير كذلك استحداث شكل جديد من الخدمة الاجتماعية، لا تقتصر على الشباب ولا على الجانب العسكري فقط، بل تشمل مجالات كالتعليم والرعاية الصحية. وتشير الباحثة روث سمالبراك إلى أن تكرار هذه الخدمة خلال مراحل مختلفة من الحياة – في سن العشرين، الأربعين، والستين – يمكن أن يعزز الفهم المتبادل بين فئات المجتمع، ويكسر الفجوات الاجتماعية والثقافية.
تنظيم مختلف للمجتمع ومواجهة التضليل
يدعو التقرير أيضًا إلى إعادة تنظيم المجتمع بطريقة تُعزز الاستعداد للأزمات، وليس فقط الكفاءة الاقتصادية. فالمخازن المؤقتة للطوارئ، والبنية التحتية القادرة على الصمود في وجه انقطاعات الكهرباء أو نقص المياه، أصبحت ضرورية.
كما يؤكد على أهمية التصدي للمعلومات المضللة، خاصة في أوقات حساسة مثل الانتخابات، من خلال نشر مدققي الحقائق وتدريب المواطنين على التفكير النقدي وتمييز الأخبار الكاذبة.
الاستفادة من تجربة فنلندا
أشاد التقرير بتجربة فنلندا، التي تبنّت نهجًا استباقيًا في بناء المرونة المجتمعية، تحسبًا لأي هجوم محتمل من روسيا. ويرى مركز “دينكويرك” أن الوقت قد حان لهولندا لتتبنى مقاربة شاملة مماثلة. وتشدد بارسما على أن هذه الاستعدادات لا يجب أن تكون عسكرية فقط، بل يجب أن تشمل كافة نواحي الحياة المجتمعية.
لذا، يدعو المركز إلى تخصيص نسبة من المعيار المتوقع لحلف الناتو – 5% – لتقوية المرونة المجتمعية في هولندا، مشددًا على أن “بناء مجتمعات مرنة لا يتطلب فقط وجود جيش، بل تعاونًا واستعدادًا شاملًا من الجميع”.
