Site icon NL NEWS

كارثة إنسانية في غزة: الجوع يحصد أرواح الأطفال والمساعدات عالقة على الحدود

امستردام – نور الحمدان

يتفاقم الجوع في قطاع غزة إلى مستويات مأساوية، وسط تقارير عن وفاة أطفال يوميًا بسبب الجوع وسوء التغذية، في ظل حصار خانق يمنع وصول المساعدات. في وقت يُكافح فيه الأطباء وعمال الإغاثة وحتى الصحفيون للاستمرار بأداء مهامهم بينما يعانون هم أنفسهم من الجوع، تنتظر مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الغذائية والدوائية على المعابر دون إذن بالدخول.

ورغم إعلان إسرائيل تخصيص “ممرات آمنة” لقوافل الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، إلا أن معظم هذه القوافل لا تزال متوقفة، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة تلك الإجراءات على تخفيف أزمة الجوع المتصاعدة.

الجوع كسلاح حرب

يشير خبراء إلى أن استخدام الجوع كسلاح ليس جديدًا، إذ سبق أن استُخدم في نزاعات عدة كسوريا واليمن والسودان. لكن ما يحدث في غزة يُعدّ فريدًا من نوعه، بحسب الباحثة المتخصصة في المجاعة أثناء الحروب، إنغريد دي زوارتي، التي أوضحت أن “المساعدات متوفرة بالفعل على الجانب الآخر من الحدود، لكن يُمنع إدخالها رغم توافر الموارد والآليات اللازمة”.

أما أليكس دي وال، خبير المجاعات البريطاني وأستاذ في جامعة تافتس، فقال إن “هذه المجاعة تُدار بدقة غير مسبوقة في التاريخ الحديث”، مضيفًا أن المساعدات موجودة على بُعد أقل من ساعة بالسيارة، وأن قرارًا سياسيًا واحدًا كفيل بإنهاء معاناة أطفال غزة.

أزمة أخلاقية وإبادة ممنهجة

في مارس/آذار، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرارًا بمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية إلى القطاع، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني. لا يحصل بعض سكان غزة على القليل من الطعام إلا من خلال مؤسسات خيرية جنوب القطاع، وغالبًا ما يعرضون حياتهم للخطر خلال بحثهم عن الغذاء. وتشير الأمم المتحدة إلى وفاة ما يقرب من 900 شخص أثناء محاولتهم العثور على طعام.

أكثر من مئة منظمة حقوقية وإنسانية دقت ناقوس الخطر مؤخرًا، محذرة من مجاعة جماعية وشيكة. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأزمة بأنها “تحدٍ أخلاقي عالمي”، فيما وصفها خبراء قانونيون ومنظمات دولية بأنها “إبادة جماعية” بسبب استخدام التجويع كأداة حرب.

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نصف مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة الشديدة، وأن طفلًا من كل خمسة يعاني من سوء تغذية حاد. ويصف مسؤول في وكالة “الأونروا” السكان بأنهم “جثث متحركة”، مؤكدًا أن عشرات الأطفال لقوا حتفهم بالفعل، بينما يواجه كثيرون الموت البطيء ما لم تصل الإمدادات على الفور.

شهادات مروّعة وصور مؤلمة

كارولين ويلمن، منسقة الطوارئ في منظمة “أطباء بلا حدود” في غزة، نقلت مشاهد مروّعة لمعاناة السكان، مؤكدة أن ما تشهده المدينة “لا يُمكن وصفه”. تنتشر صور لأطفال ورضّع يعانون من الهزال الشديد، وسط منع دخول أغذية الأطفال. طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 11 عامًا قالت لعامل إغاثة: “أتمنى أن تسقط قنبلة كبيرة على غزة ليموت الجميع مرة واحدة، بدلاً من أن نموت ببطء، قليلًا كل يوم”.

إسرائيل تنفي وتجابه اتهامات متزايدة

تنفي الحكومة الإسرائيلية تعمّد تجويع المدنيين، متهمة منظمات الإغاثة بـ”الترويج لدعاية حماس”، بحجة أن المساعدات تُسرق. لكن تقارير الجيش الإسرائيلي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تنفي وجود أي دليل على سرقة منظمة حماس للمساعدات بشكل منهجي.

أضرار لا تُمحى وعواقب دائمة

يقول الخبراء إن الضرر الذي أصاب الأطفال نتيجة سوء التغذية قد يكون غير قابل للعلاج. وتوضح دي زوارتي أن الأطفال المصابين بسوء تغذية حاد يحتاجون إلى رعاية متخصصة، إذ إن أجسامهم تصبح عاجزة عن مقاومة الأمراض أو مواجهة الجفاف.

الأبحاث العلمية تشير إلى أن الأطفال الذين يولدون في ظروف المجاعة، كما حدث في “شتاء الجوع” في نهاية الحرب العالمية الثانية، يعانون لاحقًا من مشاكل صحية مزمنة، وقد يواجهون خطر الموت المبكر.

ورغم كل التحذيرات، لم تُعلن الأمم المتحدة رسميًا عن وجود “مجاعة” في غزة حتى الآن، في ظل القيود المفروضة على الباحثين المستقلين ومنعهم من دخول القطاع.

في المقابل، لا تُظهر الحكومة الإسرائيلية مؤشرات على السماح بإدخال كميات كافية من المساعدات قريبًا، في وقت تتسارع فيه الكارثة.

Exit mobile version