زيارة ترامب المرتقبة إلى دمشق: منعطف استراتيجي يعيد تشكيل الشرق الأوسط الجديد

الصحفي : محمد رائد كعكة

تستعد العاصمة السورية دمشق لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف ديسمبر المقبل، في زيارة تُعد الأكثر أهمية منذ التحول السياسي الكبير الذي شهدته سوريا وتولي الرئيس أحمد الشرع قيادة البلاد. وتأتي الزيارة في وقت يعاد فيه رسم خرائط النفوذ في المنطقة، ما يجعل من دمشق نقطة ارتكاز أساسية في استراتيجية واشنطن الإقليمية.

أهمية الزيارة… من القطيعة إلى الشراكة الاستراتيجية

زيارة ترامب تحمل أبعادًا سياسية عميقة، كونها:

– تمثل اعترافًا أميركيًا كاملًا بالحكومة السورية الجديدة بعد سنوات من القطيعة.

– تعكس تحولًا في المقاربة الأميركية لسوريا من دولة خارج الحسابات إلى شريك في صياغة الأمن الإقليمي.

– تأتي كرسالة واضحة للدول الإقليمية والدولية بأن واشنطن عادت للانخراط المباشر في الملف السوري.

– تضع سوريا في موقع محوري في التوازن بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.

المتوقع من زيارة ترامب إلى دمشق

تأتي الزيارة في ظل تحول بارز يتمثل في انضمام سوريا رسميًا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، ما فتح الباب أمام تعاون أمني غير مسبوق بين واشنطن ودمشق.

كما ستسعى الإدارة الأميركية إلى معالجة الملف الكردي عبر:

– دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن وزارة الدفاع السورية.

– عودة مناطق الجزيرة السورية لسيطرة الحكومة المركزية.

– التحفظ الأميركي الشديد تجاه مشروع اللامركزية الكردية الواسعة.

هذه الملفات ستكون جزءًا من ترتيبات الأمن الإقليمي الجديد الذي سيُبحث بين ترامب والرئيس الشرع.

عودة سوريا إلى المجتمع الدولي… الانفتاح الاقتصادي مع السعودية يقود مرحلة التعافي

شهدت دمشق خلال العام الأخير انفتاحًا اقتصاديًا استراتيجيًا مع المملكة العربية السعودية، مكّن الاقتصاد السوري من دخول مرحلة جديدة من التعافي.

رجال الأعمال السعوديون ضخّوا استثمارات تُعد الأكبر عربيًا منذ بداية الأزمة، وتركّزت في قطاعات الطاقة والغاز، إعادة الإعمار، الصناعات التحويلية، الزراعة، والسياحة.

وقد تجاوزت قيمة هذه الاستثمارات 12 مليار دولار خلال أقل من عام، ما أسهم في تحريك الأسواق، وتنشيط البناء، وخلق آلاف الوظائف، وتعزيز الثقة الدولية بالاقتصاد السوري.

هذا الانفتاح السعودي أصبح حجر الأساس في إعادة دمج سوريا في محيطها العربي وعلى الساحة الدولية.

العلاقات السورية – الإسرائيلية… المفاوضات العلنية وانهيارها بسبب الشروط الإسرائيلية

شهدت باريس وعدة مدن أوربية جولات تفاوض معلنة بين سوريا وإسرائيل وبوجود الوسيط الأميركي ، لكنها انتهت بسبب شروط إسرائيلية اعتبرتها دمشق تعجيزية، وتشمل:

– منطقة عازلة تمتد حتى أطراف دمشق.

– الاحتفاظ بكامل قمة جبل الشيخ.

– امتيازات للطائفة الدرزية في الجنوب.

– التخلي عن المطالبة النهائية بالجولان.

رفضت دمشق هذه الشروط، ما أدى لتوقف المسار بشكل كامل، ومن المتوقع أن يُعاد بحث الملف خلال زيارة ترامب، ولكن من دون أي تنازل يتعلق بالسيادة السورية.

إلغاء قانون قيصر… انتصار للجالية السورية في امريكا وقرارات تمهيدية من ترامب

دخل قانون قيصر مرحلته الأخيرة قبل الإلغاء الكامل بعد ضغوط من الجالية السورية في الولايات المتحدة وتغيير مواقف عدد كبير من أعضاء الكونغرس، إضافة إلى قرارات ترامب المتكررة بتعليق القانون لمدة 180 يومًا.

هذا التعليق دفع الاقتصاد السوري لدخول مرحلة “ما بعد قيصر” قبل الإلغاء الرسمي، مع بدء الشركات الإقليمية والدولية بالتحضير لدخول السوق السورية.

مستقبل الاستثمار في سوريا من المنظور الأميركي… واندفاع ترامب لاقتناص الفرص قبل الأوروبيين

الشق الاقتصادي هو الأكثر حضورًا في حسابات ترامب، الذي يفكر دائمًا بعقلية رجل الأعمال الساعي لاقتناص الفرص قبل الآخرين.

وبالنظر إلى انشغال أوروبا بالصراع الروسي–الأوكراني، يرى ترامب أن الوقت مناسب للتحرك بقوة داخل سوريا قبل أن تستفيق العواصم الأوروبية من أزمتها.

ترامب يسعى إلى استباق أوروبا عبر:

– الحصول على الحصة الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار.

– دخول مجالات الطاقة والمرافئ والبنى التحتية.

– منع الشركات الأوروبية من تثبيت موطئ قدم اقتصادي في سوريا.

– بناء نفوذ اقتصادي أميركي طويل الأمد في دمشق.

وتشير مصادر سياسية واقتصادية إلى اهتمام ترامب بإقامة مشروع ضخم في العاصمة السورية يُتداول باسمه: “برج ترامب دمشق”، ليكون رمزًا للحضور الأميركي في سوريا ومنصة اقتصادية في قلب العاصمة.

كما تعتمد الرؤية الأميركية على شراكات ثلاثية بين دمشق – واشنطن – الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات وقطر، لضمان تمويل ضخم وتوازن أمام النفوذ الروسي والصيني.

خاتمة

تحمل زيارة ترامب إلى دمشق أبعادًا سياسية واقتصادية تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي. ومع الانفتاح السعودي الواسع، واقتراب إلغاء قانون قيصر، وسعي واشنطن للاستثمار قبل الأوروبيين المنشغلين بأوكرانيا، تبدو سوريا مقبلة على مرحلة تاريخية قد تعيد رسم دورها في الشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى