لاهاي – محمد رائد كعكة
شهدت الساحة السياسية الهولندية تحولًا لافتًا في نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2025، حيث حقق حزب الديمقراطيين 66 (D66) الليبرالي الوسطي بقيادة روب ييتن فوزًا كبيرًا، في حين تكبّد حزب الحرية (PVV) اليميني المتطرف بقيادة غيرت فيلدرز خسائر واضحة مقارنة بنتائج العام الماضي.
فوز الوسط وتراجع الشعبوية
أظهرت النتائج الأولية حصول حزب D66 على نحو 27 مقعدًا من أصل 150 في البرلمان الهولندي، متقدماً على عدد من الأحزاب التقليدية، فيما تراجع حزب PVV اليميني المتطرف رغم احتفاظه بعدد مماثل من المقاعد تقريبًا، لكن دون القدرة على تشكيل حكومة أو الدخول في تحالف واسع بعد إعلان معظم الأحزاب رفضها التعاون معه.
ويُنظر إلى هذه النتائج على أنها انتصار واضح للتيار الوسطي والديمقراطي في مواجهة الخطاب الشعبوي المتشدد الذي تصاعد في السنوات الأخيرة في أوروبا، خصوصًا في أعقاب الأزمات الاقتصادية والهجرات المتزايدة.
رسالة الناخبين: لا للتطرف
يرى محللون أن الناخب الهولندي بعث برسالة قوية مفادها الرغبة في الاستقرار والبراغماتية السياسية بدل الشعارات القومية الحادة. فبعد سنوات من صعود اليمين المتطرف في أوروبا، تعكس نتائج هولندا رغبة شعوب القارة في البحث عن حلول عملية لأزمات السكن، المناخ، والرعاية الاجتماعية دون الانجرار إلى الانقسامات الأيديولوجية.
ويُتوقع أن يبدأ روب ييتن، الذي بات مرشحًا قويًا لرئاسة الوزراء، مفاوضات لتشكيل ائتلاف حكومي موسّع يضم أحزابًا من الوسط واليسار الليبرالي، ما قد يعيد رسم الخريطة السياسية في هولندا نحو الاعتدال والتعاون.
تحليل موسّع: دلالات أوروبية
تأتي هذه النتائج في وقت تشهد فيه أوروبا تحولات متسارعة في المشهد السياسي، حيث بدأت موجة اليمين المتطرف، التي اجتاحت عدداً من الدول منذ عام 2016، تفقد زخمها التدريجي.
- ففي فرنسا، تتراجع شعبية حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان أمام التحالفات الوسطية الجديدة.
- وفي ألمانيا، يتعرض حزب “البديل من أجل ألمانيا” لضغوط متزايدة بسبب مواقفه المناهضة للاتحاد الأوروبي.
- أما في هولندا، فيُعد هذا التحول إشارة مهمة إلى إعادة الثقة بالمؤسسات الديمقراطية والاتحاد الأوروبي بعد سنوات من التشكيك والخطابات الانعزالية.
ويُجمع خبراء في الشأن الأوروبي على أن فوز D66 في هولندا قد يشكّل نقطة تحول رمزية تعزز من صمود الديمقراطيات الليبرالية في وجه التحديات الشعبوية، خصوصًا مع تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية في القارة.
تحديات أمام الحكومة الجديدة
رغم الانتصار السياسي، تواجه الحكومة الهولندية المقبلة تحديات كبيرة أبرزها أزمة الإسكان، ارتفاع تكاليف المعيشة، وسياسات المناخ، إلى جانب إدارة ملف الهجرة ضمن التزامات الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع أن تسعى القيادة الجديدة إلى تبني سياسات توافقية تجمع بين الانفتاح الاقتصادي والضبط الاجتماعي، للحفاظ على التوازن في مجتمع متنوع ثقافيًا ودينيًا مثل المجتمع الهولندي.
