الأوركسترا الكندية العربية… حين تغني الجاليات العربية في المهجر

هانوفر – محمد رائد كعكة

في أمسيةٍ طربيةٍ ساحرة، دوّى صوت الجمهور العربي في مدينة ديسبورغ الألمانية مردّدًا روائع الأغاني العربية الكلاسيكية، على أنغام الأوركسترا الكندية العربية. لم يكن هذا المشهد حدثًا عابرًا، بل هو جزء من جولة فنية واسعة شملت مدنًا ألمانية كبرى مثل برلين، هامبورغ، هانوفر، ودوسلدورف، في إطار مشروع فني فريد من نوعه يحمل اسم ‘غنوا معنا’.

أوركسترا مهاجرة بهوية عربية

تأسست الأوركسترا الكندية العربية في كندا عام 2016 على يد الموسيقي وفا زغل، عازف القانون المعروف، وزوجته لميس عودة، عازفة البيانو، بهدف إحياء التراث الموسيقي العربي وربطه بجمهور الجاليات في المهجر. ومنذ انطلاقتها، تطورت الأوركسترا لتضم اليوم أكثر من 60 عازفًا ومغنيًا من خلفيات ثقافية عربية متعددة، يجمعهم حب الموسيقى العربية الكلاسيكية.

يشرح المؤسس وفا زغل قائلاً:
“هذا المشروع ليس فقط للحفاظ على الموسيقى العربية، بل لخلق مساحة تفاعلية بين الجمهور والموسيقى التي نشأوا عليها. شاركنا في كندا بعدة مشاريع بارزة، أبرزها برنامج (سنديباخ) الذي يتخيل الموسيقار باخ وهو يعيد تلحين الأغاني العربية في رحلة تخيلية بين المدن العربية، كشخصية السندباد”.

الكاريوكي الجماهيري… تجربة فنية غير تقليدية

ما يميز هذه الأوركسترا هو أنها لا تؤدي الأغاني بصوت مطرب رئيسي، بل تعزفها بنظام ‘الكاريوكي الجماهيري’ حيث يؤدي الجمهور بنفسه الأغاني التي يعشقها. تقول الفنانة والمغنية تماضر الخطيب ابنة مدينة حلب السورية ، إحدى الأصوات البارزة في الفرقة:
“نحن لا نؤدي الأغاني بأسلوب تقليدي، بل نرافق الجمهور ونوجههم إذا احتاجوا، ونحرص أن نكون جسرًا بينهم وبين هذه الأغاني التي شكلت جزءًا من ذاكرتهم. هذه التجربة فيها الكثير من التفاعل، ولا تشبه الانواع الموسيقية الأخرى”.
وتضيف:
“من الجميل رؤية الحضور يرددون أغاني فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ووردة الجزائرية …

لميس عودة: الحفلات في العواصم العربية هي طموحنا

تقول عازفة البيانو لميس عودة:
“نحن لا نقدم حفلًا تقليديًا، بل نخلق مساحة للجمهور ليعبّر عن نفسه من خلال الأغاني التي ترسّخت في وجدانه”.
وتضيف:
“لدينا تطلعات لإحياء حفلات في القاهرة وبيروت وتونس والدار البيضاء ودمشق، فالحفلات في البلدان العربية تعطينا فرصة أكبر للتفاعل مع أهل البلد، كونهم يمتلكون خبرة واسعة في غناء هذه الأغاني”.

قصص من المسرح… وانيس مبيض وحكايات العزف والإنسان

من بين أبرز أعضاء الفرقة، يبرز عازف الكمان وانيس مبيض، ابن مدينة حلب السورية، الذي يجسد روح الحفلات بطرافته وتواصله الإنساني. يلقّن الجمهور الأغاني، يتفاعل معهم، وأحيانًا يتصل بزوجته عبر مكالمة فيديو من المسرح لتشارك الجمهور التحية.
في لحظة مؤثرة، وخلال حفلة  بدوسلدورف في فبراير الماضي، دعا أحد الشباب ليتقدم لخطبة فتاة على المسرح، وسط تصفيق الجمهور. وبعد ثلاثة أشهر، خلال حفلة ديسبورغ، صعد الشابان مجددًا إلى المسرح كزوجين، ليبارك لهما وانيس وجمهور الحفل وسط تصفيق لا يُنسى.

أصوات من الجاليات… تجربة فنية وهوية مشتركة

في هذه الجولة الأوروبية، شارك أيضًا فنانون ضيوف من خارج كندا. يقول المغني السوري عبود منير، المقيم في دوسلدورف:
“شاركت مع الأوركسترا للمرة الأولى كضيف، وكانت تجربة مميزة في مسيرتي، خصوصًا أنني غنيت أمام جمهور عربي يعيش في ألمانيا، جمهور أنا على احتكاك دائم به. هذه الحفلات تعزز الصلة بين الجيل العربي الجديد والأغاني الطربية التي لا تزال حاضرة في ذاكرتنا اليومية”.

كما شارك المغني محمد بنخدة من الجزائر والمقيم في كندا ، مؤكدًا أهمية أن يكون الجمهور العربي هو من يتولى الغناء، في تجربة لا تتكرر كثيرًا.
أما عازف الكيبورد السوري الأرمني رافي شاهينيان، المقيم في كندا، فيوضح:
“في كل حفلة نشهد التزامًا وطاقةً مذهلة من الجمهور. هم ليسوا مجرد مستمعين، بل هم جزء من العرض، وهذا يعيد تعريف العلاقة بين الفنان والجمهور”.

مستقبل المشروع

تطمح الأوركسترا الكندية العربية إلى توسيع نشاطها نحو البلدان العربية، لإعادة ربط الجمهور المحلي بروائع الموسيقى الطربية. مشروع ‘غنوا معنا’ أثبت أن الغناء المشترك ليس فقط وسيلة للترفيه، بل منصة للتعبير الجماعي والحنين وربما الشفاء من اوجاع الغربة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى