تكريمًا لروح المخرج العراقي الكبير قاسم محمد..
الصحفية : ريم رفعت بطال
في ليلة استثنائية حملت عبق الوفاء ودفء الذاكرة، أقام النادي الثقافي العربي في الشارقة أمسية تكريمية بعنوان “وفاء للمسرح” يوم الخميس 27 نوفمبر، احتفاءً بذكرى المخرج والمفكر المسرحي الكبير قاسم محمد، أحد أبرز روّاد المسرح العربي، وصاحب البصمة الإنسانية والإبداعية التي لا تزال حاضرة في ذاكرة الفن ومحبيه.
حضر الأمسية الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العربي، إلى جانب نخبة من المثقفين والفنانين وضيوف الفعالية، وقدّمت الأمسية وأدارتها الأستاذة ماريا محيي الدين التي مهّدت بكلمات ترحيبية حملت الكثير من
الامتنان لرمز مسرحي كبير مثل قاسم محمد.
عبد الإله عبد القادر… ذاكرة صديقة لرحلة مبدع استثنائي
استهلَّ الحديثَ الأستاذ عبد الإله عبد القادر، صديق الراحل ورفيق مسيرته، ليأخذ الحاضرين في رحلة مؤثرة عبر محطات حياة قاسم محمد، فاستعاد سيرته الحافلة التي بدأت في بغداد عام 1936، حيث تتلمذ على أيدي كبار الرواد أمثال حقي الشلبي وإبراهيم جلال وجاسم العبودي، قبل أن ينتقل إلى فرقة المسرح الفني الحديث، ويقدّم 12 عملاً تجريبيًا شكّلت فجر مسيرته الفنية.
وتتوالى نجاحاته الأكاديمية والفنية بتخرجه عام 1962 من قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ثم عام 1968 من الأكاديمية الروسية لفنون المسرح بموسكو، لينطلق بعدها باحثًا ومجددًا في التراث والموروث الشعبي، ومخرجًا ومؤلفًا وصانعًا لرؤى مسرحية عميقة.
عدّد عبد القادر إنجازات الراحل:
أكثر من 15 مسرحية وإصدارات ودراسات مسرحية.
مشاركات عربية واسعة في أهم المهرجانات.
جوائز رفيعة، أبرزها جائزة أفضل مخرج في مهرجان قرطاج 1987 عن مسرحية الباب، وجائزة أفضل سينوغرافيا 1993، وتكريمات في القاهرة ودمشق والشارقة وغيرها.
مسيرة فاعلة في الإمارات، حيث استقر في الشارقة منذ عام 1997، وأسهم في إدارة المسرح الوطني ومعهد الشارقة للفنون المسرحية.
وشدّد عبد القادر على أن أعظم تكريم لقاسم محمد هو حب الجمهور له، هذا الحب الذي ظلّ يرافقه في كل مكان ويحفظ إرثه حياً. وخلص إلى أن قاسم محمد لم يكن مجرد مخرج، بل مدرسة ونبراسًا، وآمن دائمًا أن: “الإنسان هو جوهر المسرح”.
أحمد الجسمي… ذاكرة ممتنة لعلّمٍ لا يُنسى
ثم تحدّث الفنان الإماراتي الكبير أحمد الجسمي، شريك قاسم محمد في بدايات المسرح الإماراتي، والذي استعاد بحسّ شديد وعاطفة صادقة تلك الأيام التي جمعتهما في تأسيس مسرح الشارقة وأعمال عظيمة ما تزال محفورة في الذاكرة المسرحية.
قال الجسمي بتواضع كبير إن قاسم محمد كان أستاذه الحقيقي، الذي صقل موهبته وعلّمه أبجديات التمثيل دون أن يدخل معهدًا للفنون، معتبرًا أن أثره في حياته المهنية والإنسانية لا يُنسى.
كما روى ذكرى جميلة حين صمّم له قاسم محمد لوحة فنية منمنمة تضم حروف أسماء عائلته، منسوجة بألوان متناغمة، فكانت رمزًا للصداقة وجمال الروح والإبداع الذي جمعهما.
وتوقف الجسمي عند أعمالهما المشتركة، مؤكدًا أن المسرح كان يحتضنهما كفضاء للحرية والحب، وأن إرث قاسم محمد سيظل جزءًا أصيلاً من ذاكرة الإمارات المسرحية.
محمد العامري… حديث محبة ووجع فقد
وجاء حديث الفنان الإماراتي محمد العامري محمّلاً بالدفء والحنين، متذكّرًا علاقته بالراحل الذي كان بالنسبة له معلّمًا ومُلهمًا. عرض العامري جانبًا من تطور تجربته المسرحية التي تجاوزت 30 عملاً في الإخراج والتأليف والسينوغرافيا، وأكّد أن الكثير من تلك التجارب تأسس على روح التجريب والجدة التي زرعها قاسم محمد في نفوس الفنانين.
كان حديث العامري مؤثّرًا، إذ بدا وكأنه يستحضر قاسم محمد بين السطور، من خلال الحنين إلى توجيهاته، وابتسامته، وحضوره الإنساني الذي ترك أثرًا لا يمحى في المسرح الإماراتي والعربي.
كلمة الابن… وعدٌ باستمرار الطريق
وفي كلمة صادقة، عبّر محمد قاسم محمد عن شكره للنادي الثقافي ولجميع الحاضرين، مؤكدًا أن والده حمل بغداد في قلبه وزرع فنًا جديدًا حيثما حلّ. وقال جملة خالدة:
“المسرح بيتٌ لا يغادره من يحبه.”
ودعا إلى أن يكون هذا التكريم بداية لتجديد العهد بالمسرح، وأن يواصل الجيل الجديد البناء على ما تركه والده من إرث ورؤية وحب للمهنة.
الختام… توقيع كتاب “فضاءات المسرح العربي: قاسم محمد نموذجًا”
اختُتمت الأمسية بتوقيع كتاب “فضاءات المسرح العربي – قاسم محمد نموذجًا” من إصدارات دائرة الثقافة بالشارقة، وهو عمل توثيقي كتبه الأستاذ عبد الإله عبد القادر تخليدًا لسيرة الفنان الكبير.
ومع إسدال الستار، بقي شعور واحد يجمع الجميع:
أن قاسم محمد لم يكن مجرد فنان عابر، بل كان بيتًا للمسرح ودفئًا للروح وذاكرة لا تنطفئ.
هو الذي جعل من خشبة المسرح وطنًا، ومن العمل الفني رسالة، ومن الصدق الإبداعي نهجًا لا يموت.
رحم الله قاسم محمد…
وبوركت هذه الأمسية التي أعادت حضوره حيًا بين الجميع
وفاءً لفنان استثنائي، وإنسان أعطى المسرح العربي أجمل ما لديه….
[:]
