امستردام – نور الحمدان
تشهد هولندا ضغوطًا متزايدة نتيجة شيخوخة السكان، ما يُلقي بظلاله على قطاعي الرعاية الصحية وسوق الإسكان. ورغم التوجه نحو بناء 290 ألف وحدة سكنية مخصصة لكبار السن، إلا أن تنفيذ هذه الخطط يواجه تحديات كبيرة، وفق ما يؤكده الخبراء.
وبحسب تقرير صادر عن الوكالة الهولندية لتقييم البيئة (PBL)، فإن عدد من تزيد أعمارهم عن 85 عامًا سيتضاعف ثلاث مرات خلال العقود القادمة، كما أن متوسط أعمار كبار السن في تزايد مستمر. هذه “الشيخوخة المزدوجة” تؤدي إلى ارتفاع حاد في الحاجة للرعاية الصحية.
تقول هيلين ستيجتر، سكرتيرة فريق مبادرة الإسكان والرعاية لكبار السن، إن “بناء مساكن ملائمة لكبار السن يمكن أن يُخفف العبء عن قطاع الرعاية الصحية”، مشيرة إلى أن الفريق يعمل بالشراكة مع البلديات والمستثمرين وشركات الإسكان ومؤسسات الرعاية الصحية لإيجاد حلول مبتكرة.
وتضيف: “عدد مرضى الخرف مرشّح للتضاعف خلال السنوات الخمس عشرة القادمة ليصل إلى 520 ألف شخص، في وقت لا يتجاوز فيه عدد أماكن دور الرعاية حاليًا 130 ألفًا. وهذا يُظهر حجم الفجوة المتوقعة”.
دراسة للمجلس العلمي للسياسات الحكومية (WRR) تحذر من أنه، في حال عدم اتخاذ إجراءات، سيُضطر واحد من كل ثلاثة أشخاص للعمل في قطاع الرعاية خلال الأربعين عامًا القادمة، ما قد يستنزف النمو الاقتصادي للبلاد.
نقص في مشاريع البناء المخصصة لكبار السن
ورغم الجهود، فإن حجم المساكن الجديدة لكبار السن ما يزال محدودًا. ففي عام 2024، لم يتجاوز عدد الوحدات السكنية المخطط إنشاؤها 2800 وحدة، وفقًا لبنك ABN AMRO، رغم أن الأهداف الرسمية تشير إلى بناء 290 ألف وحدة بحلول عام 2030.
وتشير ستيجتر إلى أهمية المساكن الجماعية التي تُشجّع على التفاعل والرعاية المتبادلة بين السكان، ما قد يُقلل من الحاجة للرعاية المهنية، ويساعد في بناء مجتمعات أكثر ترابطًا.
كبار السن مفتاح لتحريك سوق الإسكان
تُبرز ستيجتر أهمية مساكن كبار السن في كسر الجمود الحاصل في سوق الإسكان: “عندما ينتقل كبار السن إلى مساكن مناسبة، تُفتح وحدات سكنية يمكن أن تنتقل إليها العائلات، وهو ما يسمح بدوره بتحريك السوق بأكمله”.
وترى الجمعية الهولندية لوكلاء العقارات (NVM) أن بناء مساكن مخصصة لكبار السن يُعدّ “الحل الاستراتيجي” لتحفيز التنقل في السوق العقارية، خلافًا للتركيز المفرط على المساكن المخصصة للمبتدئين فقط.
أرقام متزايدة وخرافات شائعة
هناك تصور خاطئ بأن مشكلة الشيخوخة ستنتهي بعد عام 2040 برحيل جيل طفرة المواليد، لكن تقرير PBL يفند ذلك. فقد ارتفع عدد من تجاوزوا 85 عامًا من 400 ألف عام 2021 إلى توقعات تفوق 1.1 مليون بحلول عام 2060.
وتوضح ستيجتر أن “الاستثمار في إسكان كبار السن له جدوى اقتصادية على المدى الطويل”، لكنها تُعرب عن قلقها من بطء الاستجابة، لافتة إلى أن بعض المطورين يواجهون صعوبات في التعاون مع قطاع الرعاية الصحية.
فجوة بين المنزل ودار الرعاية
يرى البروفيسور بيتر بولهوير، أستاذ سوق الإسكان في جامعة دلفت، أن الوضع الحالي غير مستدام. ويؤكد أن إلغاء دور الرعاية السكنية عام 2014 كان قرارًا خاطئًا، أدى إلى بقاء الكثير من كبار السن في منازلهم رغم حاجتهم إلى رعاية خفيفة.
بولهوير، وهو عضو في المجلس الاستشاري لمؤسسة “كنارينهوف”، يشدد على أهمية إيجاد نماذج سكنية مرنة تراعي التغيرات الديمغرافية، وتُراعي التكاليف الباهظة للمناطق المشتركة التي تعزز الحياة الاجتماعية.
ويؤكد أن الدعم الحكومي لبناء مساكن ملائمة لكبار السن أمر جيد لكنه بحاجة إلى تعزيز. “من الضروري توفير الأراضي، وزيادة تمويل المناطق المشتركة، وجذب الاستثمارات من القطاع الخاص”.
ويختم بالقول: “تحقيق هدف 290 ألف وحدة ممكن، لكن يجب تسريع الخطى والاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة، لأن شيخوخة السكان هي تحدي المستقبل الذي لا يمكن تجاهله”.
