الصحفي محمد عدي فضة
أسفرت عملية منسّقة قادتها السلطات البلغارية بدعم من اليوروبول عن تفكيك شبكة إجرامية ضالعة في تهريب واسع النطاق للسلع الثقافية داخل أوروبا وخارجها. وجرت العملية في إطار فريق عمل عملياتي تابع لليوروبول، وشارك فيها أجهزة إنفاذ القانون والسلطات القضائية من ألبانيا وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا والمملكة المتحدة. وقد نُسّقت الإجراءات الميدانية من مراكز تنسيق في العاصمة البلغارية صوفيا، وفي Eurojust، فيما لا تزال التحقيقات مستمرة.
بدأت القضية بعد مداهمة منزل في بلغاريا عام 2020، صادرت خلالها السلطات نحو 7 آلاف قطعة أثرية ذات قيمة تاريخية ومادية لا تُقدّر بثمن، معظمها يعود للحضارات اليونانية-الرومانية والثرّاقية. وأثار غياب وثائق منشأ واضحة لهذه القطع – كما أكدت السلطات في حينه – شبهات قوية حول الحصول عليها بطرق غير قانونية. ومنذ ذلك الحين، أودِعت القطع في المتحف الوطني للتاريخ في صوفيا بانتظار انتهاء التحقيقات.
نتائج يوم التنفيذ – 19 نوفمبر 2025
- 35 عملية اعتقال في بلغاريا
- 131 عملية تفتيش طالت منازل ومركبات وخزائن بنكية
(1 في ألبانيا، 120 في بلغاريا، 3 في فرنسا، 3 في ألمانيا، 4 في اليونان) - مصادرة أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية تشمل عملات ذهبية وفضية وتحفًا قديمة، تُقدّر قيمتها بأكثر من 100 مليون يورو، إضافةً إلى أعمال فنية، وأسلحة، ووثائق، ومعدات إلكترونية، وأكثر من 50 ألف يورو نقدًا، وذهب استثماري.
ويُشتبه بأن الهدف الرئيسي رفيع المستوى (HVT) في هذه القضية قد موّل عمليات تنقيب غير قانونية في بلغاريا ودول البلقان المجاورة. وتشير التحقيقات إلى أن منقّبين محليين كانوا يعملون لصالح وسطاء يرتبطون بهذا الهدف. وتشمل مجموعة القطع المصادرة عام 2020 مقتنيات نادرة تعود إلى نحو عام 2000 قبل الميلاد، مثل الأقنعة والمعدات العسكرية والحُلي والجرار والريتونات والكؤوس من الحضارات الثرّاقية واليونانية-الرومانية. ومعظم القطع بلا وثائق منشأ، بينما تحمل قلة منها وثائق مشبوهة صادرة عن دور مزادات ومعارض فنية في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
فريق عمل اليوروبول: ربط الخيوط عبر الحدود
منذ يونيو 2024، وبمبادرة من السلطات البلغارية، أنشأ اليوروبول فريق عمل عملياتي لتسهيل تبادل المعلومات وتنسيق الجهود وتقديم الدعم التحليلي. وأسهم الفريق في تحديد روابط بين أفراد يقيمون في دول متعددة، واكتشاف مواقع قطع أثرية أخرى يُعتقد أنها هُرّبت على يد أفراد الشبكة. كما أطلقت دول مشاركة في الفريق تحقيقات جديدة. وخلال يوم التنفيذ، أرسل اليوروبول خبيرين إلى صوفيا لدعم التنسيق العابر للحدود وتقديم التحليل والخبرة.
إرث البلقان… بيئة خصبة لسرقة التراث
تحتضن منطقة البلقان وإيطاليا كنوزًا أثرية يونانية ورومانية لا تقدّر بثمن، ما جعلها هدفًا دائمًا للشبكات الإجرامية. وغالبًا ما تعمل هذه الشبكات عبر خلايا محلية تتولى عمليات النهب والسرقة، إضافة إلى خلايا أخرى مكلّفة بغسل القطع المسروقة عبر السوق الفنية. ويسهم الطلب المرتفع من جامعي التحف والراغبين في غسل الأموال في تعزيز هشاشة هذا السوق أمام الأنشطة غير المشروعة.
وتواجه الحكومات صعوبات كبيرة في مكافحة التنقيب غير القانوني بسبب تعقيدات سوق الفن وصعوبة التحقق من مصدر القطع الثقافية. وتستغل الشبكات الإجرامية هذه الثغرات لتجاوز إجراءات الفحص وإدخال قطع منهوبة – بما في ذلك من مناطق نزاعات مثل سوريا والعراق – إلى الأسواق العالمية. كما طوّر المهربون أساليب متقنة لبيع وغسل هذه القطع، ما يشكّل تهديدًا خطيرًا لحماية التراث الثقافي.
تعاون دولي لحماية التراث
يظل التعاون الدولي وتبادل المعلومات بين السلطات الوطنية أمرًا حاسمًا للكشف عن القطع الأثرية المنهوبة وتفكيك شبكات تهريب الفن، وضمان حفظ التراث الثقافي للأجيال القادمة.